يعترض بعض الممارين، فيقول: قال الله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] أما هؤلاء -يعني أهل السنة- فيزيدون على القرآن، ويقولون: مستوٍ على عرشه بذاته، بائن من خلقه، فما وجه هذه الزيادة؟
نقول: لم يقصد علماؤنا رحمهم الله تعالى أن يزيدوا وصفاً ليس له أصل على ما في القرآن، وإنما أرادوا إيضاح المعنى وإزالة اللبس؛ لأن أهل البدع فسروا الألفاظ القرآنية بمعاني بدعية محتملة، والألفاظ غالباً حمالة أوجه، ولاسيما مع ضعف الناس في اللغة وقلة فهمهم لكلام العرب، فأتى العلماء بعبارات تزيل اللبس وتدفع الإيهام، وقد أشرنا سابقاً إلى كلام ابن أبي زيد رحمه الله لما قال: (وأنه على عرشه المجيد بذاته)، فأضاف (بذاته) ليقطع الطريق على المؤولين.
وكذلك الذين أضافوا (مباين لخلقه)؛ فهم إنما أضافوا ذلك حتى لا يُلبِّس الملبس على المسلمين فيقول: هو على العرش، وفي كل مكان، وهذا سوء فهم لبعض الناس؛ قالوا: نجمع بين قوله: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وبين قوله: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ))[الحديد:4]، فنقول: هو على العرش وفي كل مكان، وهذا فهم ضال؛ لأن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش، وفوق جميع المخلوقات، مباين لها، لكنه مع علوه قريب منهم بعلمه وبقدرته وبإحاطته سبحانه وتعالى، كما أخبر عن نفسه: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))[ق:16] أي: أقرب بعلمه، وعلى التفسير الآخر: أقرب بملائكته، وقد سبق أن فصلنا هذا حين شرحنا قول الطحاوي رحمه الله: [وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات].
والمقصود هنا أن شيخ الإسلام رحمه الله أشار إلى الرد على منكري العلو؛ لأن مسألة العلو من أهم المسائل وأعظم مسائل العقيدة هي مسألة الصفات، ومسألة القرآن، ومسألة الإيمان، ومسألة العلو -وهي من الصفات، لكنها تفرد لعظمتها. ولأنه قد كثر فيها الجدل والخلاف بين الناس، وأهل السنة -ولله الحمد- على المنهج القويم- ثم بعد ذلك تأتي مسألة القدر، وبقية المسائل كالتبع لذلك.